الدكتور أحمد سالم يكتب : الرد على تكفير وجدي غنيم للدكتور احمد زويل
ابتليت الأمة الإسلامية بظهور الجماعات والتيارات المتشددة التي أطلقت لنفسها العنان لتخرج من شاءت من الإسلام، ومنحت لنفسها دون أي مسوغ ديني أو علمي إطلاق حملات التكفير ضد أنظمة الدولة والحكام ورموز الوطن وعلمائه، فاستباحوا الدماء المعصومة بسبب هذه الفتاوى العبثية، ولم يسلم من نقدهم أحد طالما أنه على غير هواهم، وأصبح المجتمع مهددًا بسبب تلك الفتاوى لأن أصحابها يمثلون مرجعية دينية وأن أقوالهم واجبة النفاذ فأوقعوا شباب تلك الجماعات المتطرفة في مغبة تكفير المسلمين بسبب داء الجهل الذي خيم على عقولهم أو بدافع الهوى الذي أضلهم عن السبيل، ولا شك في أن هذه الظاهرة تعد من مظاهر الغلو في الدين والحكم على الغير بغير حق، إذ كيف يليق بمسلم أن يخرج أهل الإسلام من الملة بسبب شبهة أو هوى، أو تقليد لضال قد عميت بصيرته.
ومن بين الذين تمادوا في غيهم وأوغلوا في تكفير المسلمين دون ضباط أو الوقوف على أثارة من علم تلك الفتوى التي أطلقها وجدي غنيم – أحد القيادات القريبة من جماعة الإخوان-، حيث قال في إحدى الفضائيات ردًّا على سؤال المذيع هل يجوز لعن “الخائن” أحمد زويل ؟ أم هل يجوز الترحم عليه؟ – بحسب قوله-، فرد غنيم: “أنا لا أقول إن زويل مشرك، لا بل هو كافر، ولا يجوز الترحم عليه.
وتابع وجدي غنيم: أنه يجوز لعن الدكتور زويل وتكفيره، ثم استشهد على ذلك بآيات قرآنية تتحدث عن الكفار والمشركين.
إن مثل هذه الفتاوى العبثية مِنْ أخطر صور الانحراف عن منهاج الوسطية، فاللهَ تعالى شَرَّفَ أُمّةَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وجعلها أُمَّةً وسطًا بين سائرِ الأُمم، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
وقد تضافرت الأدلة في النهي عن تكفير المسلمين، فمما جاء في السنة من النهي عن تكفير المعين:
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ”.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ”
- وقوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ”؛ أي: رجع عليه قوله.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: “لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ.”
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجتمع رجلان في الجنة: أحدهما قال لأخيه يا كافر”.
والكفر المقصود في الأحاديث: إنما هو كفر دون كفر ما لم يستحلَّه. وقال ابن عبد البر: “والمعنى فيه – عند أهل الفقه والأثر أهل السنة والجماعة – النهي عن أن يُكفِّر المسلم أخاه المسلم بذنب، أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع”.
وهذا أصل من أصول العقيدة؛ كما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، …”.
إن التكفير دائمًا وأبدًا هو سلاح المتطرفين للنيل من خصومهم وتشويه صورتهم وتبرير الاعتداء عليهم واغتيالهم ماديًّا ومعنويًّا، ويُعد التكفير السبب الرئيس والمباشر لمعظم عمليات الاغتيال والتصفية التي تتم بحق رموز وقيادات المجتمع، لذا وجب التصدي لمثل هذه الضلالات، وقد حمل الأزهر على عاتقه ضرورة الحفاظ على وسطية الإسلام والتصدي لمظاهر الغلو والتطرف في المجتمع، لأن في هذا حفاظًا على مقاصد الشريعة الإسلامية، وحماية للمجتمع من الوقوع في أوحال التطرف والإرهاب وما يتبعه من تكدير لسلامة البلاد والعباد، وحماية لصورة الإسلام السمحة التي شوهها المتطرفون، فأفسدوا في الأرض وما أصلحوا، فضلوا وأضلوا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
* كاتب المقال مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر